فصل: الحادي والخمسون باب ما جاء في التنزيل من المضاعف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **


 الحادي والخمسون باب ما جاء في التنزيل من المضاعف

وقد أبدلت من لامه حرف لين فمن ذلك ما قاله القاسم في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لم يتسنه ‏"‏ إنه من قوله‏:‏ ‏"‏ من حمأ مسنونٍ ‏"‏ أي‏:‏ يتغير ثم أبدلت من النون الأخيرة ياء فصار ‏"‏ يتسنى ‏"‏ فإذا جزمت قلت‏:‏ لم يتسن كما تقول‏:‏ لم يتغن ثم تلحق الهاء لبيان الوقف‏.‏

وقيل‏:‏ هو من السنة تسنى أي‏:‏ مرت عليه السنون فتغير‏.‏

ومن أثبت الهاء في الوصل فلأنهم قالوا‏:‏ سنة وسنهات فيكون الهاء لام الفعل‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا ‏"‏ أي‏:‏ تمل لقوله‏:‏ ‏"‏ فليملل وليه ‏"‏‏.‏

يقال‏:‏ أمللت وأمليت‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ثم ذهب إلى أهله يتمطى ‏"‏ والأصل‏:‏ يتمطط‏.‏

قالوا‏:‏ لأنه من المطيطاء‏.‏

ومنه قوله‏:‏ ‏"‏ وقد خاب من دساها ‏"‏ أي‏:‏ دسها بالفجور والمعاصي فأبدلت من اللام ياء فصار‏:‏ ‏"‏ دساها ‏"‏‏.‏

ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فدلهما بغرور ‏"‏ أي‏:‏ دللهما لقوله‏:‏ ‏"‏ هل أدلك ‏"‏‏.‏

ويكون فعل دلى يدلى الذي مطاوعه تدلى‏:‏ كقوله‏:‏ هما دلتاني من ثمانين قامة أي‏:‏ أوقعهما في المعصية بغروره وإلقائهما فيها وطرحهما‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وكل هذا التضعيف فيه عربي كثير جيد جدا يعني‏:‏ ترك القلب إلى الياء عربي جيد إذا قلت‏:‏ تظنيت وتسريت‏.‏

وقد جعل سيبويه الياء في تسريت بدلا من الراء وأصله‏:‏ تسررت وهو من السرور فيما قاله الأخفش لأن السرية يسر بها صاحبها‏.‏

وقال ابن السراج‏:‏ هو عندي من السر لأن الإنسان يسر بها ويسترها عن حزبه كثيرا‏.‏

والأولى عندي أن يكون من السر الذي هو النكاح‏.‏

وقيل‏:‏ ليس الأصل فيه تسررت وإنما هو تسريت بمعنى‏:‏ سراها أي‏:‏ أعلاها وسراة كل شيء‏:‏ أعلاه‏.‏

وأما كلا وكل فليس أحد اللفظين من الآخر لأن موضعهما مختلف تقول‏:‏ كلا أخويك قائم ولا تقول‏:‏ كل أخويك قائم‏.‏

ولا يجوز أن تجعل الألف في كلا بدلا من اللام في كل ولم يقم الدليل على ذلك وكذلك قال سيبويه‏.‏

ومثله‏:‏ ذرية أصله‏:‏ ذروة فعلولة من الذر فأبدلت من الراء ياء وقلبت الواو ياء وأدغمت فيه فصارت ذرية‏.‏

وفي ذلك ما روى عن ابن كثير في قوله‏:‏ ‏"‏ فذانك برهانان من ربك ‏"‏‏.‏

قال أبو علي‏:‏ وجه ما روى من ‏"‏ فذانيك‏:‏ أنه أبدل من النون الثانية الياء كراهية التضعيف‏.‏

ومن ذلك قراءة من قرأ‏:‏ ‏"‏ وقرن في بيوتكن ‏"‏ هو من قر في المكان يقر أصله‏:‏ اقررن فأبدل من الراء الأخيرة ياء ثم حذفها وحذف همزة الوصل فصار‏:‏ قرن وهو مشكل‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ‏"‏ فيمن قرأها بالتخفيف أصله ‏"‏ تعتدونها ‏"‏ فأبدل من الدال حرف اللين‏.‏

 الثاني والخمسون باب ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ صمٌّ بكمٌ عميٌ ‏"‏ والتقدير‏:‏ صم وبكم وعمى كقوله في الأخرى‏:‏ ‏"‏ صمٌّ وبكمٌ في الظلمات ‏"‏ فالتقدير فيه أيضا‏:‏ وفي الظلمات‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ‏"‏ و ‏"‏ أصحاب النار هم فيها خالدون ‏"‏ فحذف الواو‏.‏

وهكذا في جميع التنزيل من هذا النوع‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم ‏"‏ أي‏:‏ ورابعهم كلبهم‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم ‏"‏ أي‏:‏ وسادسهم‏.‏

دليل ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم ‏"‏‏.‏

وكما ظهرت الواو هنا فهي مقدرة في الجملتين المتقدمتين إذ ليست الجملتان صفة لما قبلهما ولا حالا ولا خبرا لما تقدم في غير موضع وإنما هما جملتان في تقدير العطف على جملتين‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم ‏"‏ التقدير‏:‏ وأغويناهم وقد تقدم شرحه‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ‏"‏ فإن جواب إذا قوله ‏"‏ تولوا ‏"‏ وليس الجواب ‏"‏ قلت ‏"‏ والتقدير في قلت أن يكون بحرف عطف إلا أنك استغنيت عنه بتضمن الثانية الذكر مما في الأولى بمنزلة قوله ‏"‏ رابعهم كلبهم ‏"‏ ألا ترى أن إفاضتهم الدمع إنما هو إياسهم من الخروج والتوجه نحو العدو لتعذر الظهور الحاملة لهم عليها‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا ‏"‏‏.‏

فحمله أبو الحسن على حذف الواو نهى بعد أمرٍ‏.‏

وحمله الفراء على جواب الأمر وفيه طرف من النهي ومثله‏:‏ ‏"‏ ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ‏"‏‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ‏"‏ أي‏:‏ وأنعم الله فحذف الواو‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ فخرج على قومه في زينته‏.‏

قال الذين يريدون ‏"‏ أي‏:‏ وقال‏.‏

ومن ذلك قال الفراء في قوله‏:‏ ‏"‏ أوهم قائلون ‏"‏ على إضمار الواو كأنه‏:‏ أو وهم قائلون فحذفت قال أبو علي‏:‏ إنما قال هذا لأن ‏"‏ أوهم قائلون ‏"‏ معطوف على ‏"‏ بياتا ‏"‏ الذي هو حال فهذه الجملة إذا دخلت كانت مؤذنة بأن الجملة بعدها للحال أيضا فالتقدير أتاهم بأسنا بائتين أو قائلين‏.‏

ولو قلت‏:‏ جاءني زيد ويده فوق رأسه بلا واو لكان حسنا وإذا كان كذلك فقد يجوز ألا تقدر الواو يدلك على أن قوله ‏"‏ وهم قائلون ‏"‏ جملة في موضع مفرد قوله‏:‏ ‏"‏ أرأيتكم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ‏"‏ فقوله‏:‏ ‏"‏ أوهم قائلون ‏"‏ بمنزلة ‏"‏ نهارا ‏"‏‏.‏

 لثالث والخمسون باب ما جاء في التنزيل من الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض

وهذا الباب يتلقاه الناس معسولا ساذجا من الصنعة وما أبعد الصواب عنهم وأوقفهم دونه وذلك أنهم يقولون‏:‏ إن إلى يكون بمعنى مع ويحتجون لذلك بقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ من أنصاري إلى الله ‏"‏ أي‏:‏ مع الله‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ‏"‏ أي‏:‏ مع امولكم‏.‏

ويقولون في بمعنى على ويحتجون بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولأصلبنكم في جذوع النخل ‏"‏ أي‏:‏ عليها‏.‏

وهذا في الحقيقة من باب الحمل على المعنى‏.‏

فقوله‏:‏ ‏"‏ من أنصارى إلى الله ‏"‏ معناه‏:‏ من يضيف نصرته إلى نصرة الله وكذا‏:‏ ‏"‏ ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ‏"‏‏.‏

أي مضمومة إليها وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏ هل لك إلى أن تزكى ‏"‏ وأنت إنما تقول‏:‏ هل لك في كذا لكنه لما كان هذا دعاء منه صلى الله عليه وعلى آله له صار تقديره‏:‏ أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ ولأصلبنكم في جذوع النخل ‏"‏ فليس في بمعنى على وإنما هو على بابه لأن المصلوب في الجذع والجذع وعاء له‏.‏

 لرابع والخمسون باب ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل المضاف إلى المكنى

وذلك قد جاء في التنزيل في ستة مواضع‏:‏ فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجلٍ هم بالغوه ‏"‏‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ‏"‏‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنا منجوك وأهلك ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ‏"‏‏.‏

فهذه ستة مواضع‏.‏

فالهاء والكاف في هذه الآي جرٌّ عندنا‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ هو نصب واحتج بانتصاب قوله ‏"‏ وأهلك ‏"‏ فلولا أن الكاف منصوب المحل لم ينصب ‏"‏ أهلك ‏"‏ واحتج بأن النون إنما حذف حذفا لتعاقبه المضمر لا لأجل الإضافة فوجب أن يكون منصوبا قياسا على قولنا‏:‏ هؤلاء ضوارب زيداً وحجاج بيت الله فإن التنوين هنا حذف حذفا فانتصب ما بعده كذلك ها هنا ولا يلزم قولكم إن المضمر يعتبر بالمظهر لأنا نرى نقيض ذلك في باب العطف حيث لم يجز عطف المظهر على المضمر المرفوع ولا على المضمر المجرور وإن جاز عطفه على المضمر المنصوب فكذلك ها هنا يجوز أن يقع المضمر منصوبا وإن كان المظهر لو وقع كان مجرورا‏.‏

ولنا أنه اسم مضاف إليه اسم قبله فوجب أن يكون مجرورا قياسا على‏:‏ ضاربا زيدٍ وغلاما بكر وهذا لأن المضاف إليه يعاقب النون أو التنوين وهذا الاسم عاقب النون حتى لا يجمع بينه وبين النون في حال السعة فوجب أن يكون مجرورا ولأن المضمر يعتبر بالمظهر ما لم يعرض هناك عارض مثل ما عرض في باب العطف بامتناع المظهر على المضمر المرفوع لما صار المضمر المرفوع كالجزء من الفعل بدليل إسكانهم لام الفعل من أجل هذا المضمر في ضربت وامتنع عطف المظهر المجرور على المضمر المجرور لامتناع الفصل بين الجار والمجرور وهذا المعنى لم يعرض ها هنا فبقى اعتباره بالمظهر‏.‏

وأما انتصاب ‏"‏ أهلك ‏"‏ من قوله‏:‏ ‏"‏ إنا منجوك وأهلك ‏"‏ فبفعلٍ مضمرٍ لامتناعه من أن يكون معطوفا على مضمر مجرور لأن الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور‏.‏

وأما الهاء في قوله‏:‏ ‏"‏ ما هم ببالغيه ‏"‏ فقد قال أو على‏:‏ المعنى‏:‏ ما هم ببالغي ما في صدورهم وليس المعنى‏:‏ ما هم ببالغي الكبر لأنهم قد بلغوا الكبر إذ كانوا قد فعلوه وطووا صدورهم عليه‏.‏

فإن قلت‏:‏ فإن معنى قوله‏:‏ ‏"‏ إن في صدورهم إلا كبر ‏"‏‏:‏ ما في صدورهم إلا كبر‏.‏

وإذ لم يكن في صدورهم إلا كبر قلت‏:‏ المعنى‏:‏ ما هم ببالغي ما في صدورهم فقد قلت‏:‏ إن المعنى‏:‏ ما هم ببالغي ما في الكبر لأن في صدورهم الكبر لا غير‏.‏

فالقول في ذلك‏:‏ إن هذا على الاتساع وتكثير الكبر لا يمتنع أن يكون في صدورهم غيره ألا ترى أنك قد تقول للرجل‏:‏ ما أنت إلا سير وما أنت إلا شرب الإبل وإذا كان كذلك كان المعنى‏:‏ إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي ما في صدورهم ويكون المعنى بقوله ‏"‏ ما في ‏"‏ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ‏"‏ فمعنى‏:‏ ‏"‏ ما هم ببالغيه ‏"‏ ما هم ببالغي ما يرونه من توهين أمره وتنفير الناس عنه وصدهم عن الدين‏.‏

قال أبو عثمان المازني‏:‏ ولا يضاف ضارب إلى فاعله لأنك لا تضيفه إليه مضمرا وكذلك لا تضيفه إليه مظهرا‏.‏

قال‏:‏ وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل مظهراً لما جازت إضافته إليه مضمرا‏.‏

وكأن أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب المضمر فقدمه وحمل عليه المظهر من مثل أن المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة وهو التنوين من المظهر‏.‏

وكذلك لا يجتمعان في نحو‏:‏ ضاربانك وقاتلونه من حيث كان المضمر بلطفه وقوة اتصاله وليس كذلك المظهر لقوته ووفور صورته ألا ترك تثبت معه التنوين فتنصبه نحو‏:‏ ضاربان زيدا وقاتلون بكرا فلما كان المضمر مما تقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر وإن كان هو الأصل عليه‏.‏

 لخامس والخمسون باب ما جاء في التنزيل في جواب الأمر

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فادع لنا ربك يخرج لنا ‏"‏ ف ‏"‏ يخرج لنا ‏"‏ جزم لأن التقدير‏:‏ ادع لنا ربك وقل له أخرج يخرج لنا مما تنبت الأرض‏.‏

ومنه قوله‏:‏ ‏"‏ اسلك يدك في جيبك تخرج ‏"‏ أي‏:‏ أخرجها تخرج‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ‏"‏ ففي ‏"‏ يقيموا ثلاثة أقوال‏:‏ الأول‏:‏ أن يكون جواب قل لأنه يتضمن معنى‏:‏ مرهم بالصلاة يفعلوا لأنهم آمنوا‏.‏

والثاني‏:‏ أن قل تقتضى مقولا وذلك المقول ها هنا ‏"‏ أقيموا ‏"‏ فالتقدير‏:‏ قل لهم أقيموا الصلاة يقيموها أي‏:‏ إن قلت أقيموا أقاموا لأنهم يؤمنون فيكون جواب أمر محذوف دل عليه الكلام‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون بحذف اللام من فعل أمر الغائب على تقدير‏:‏ قل لهم ليقيموا الصلاة‏.‏

وجاز حذف اللام هنا ولا يجوز ابتداء مع الجزم لأن لفظ الأمر ها هنا صار عوضا من الجازم وفي أول الكلام لا يكون له عوض إذا حذف‏.‏

وفي التذكرة في قوله‏:‏ ‏"‏ هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم تؤمنون بالله ‏"‏ إلى قوله ‏"‏ يغفر لكم ‏"‏ قيل‏:‏ ‏"‏ تؤمنون ‏"‏ على إرادة أن فلما حذفت رفع كأنه‏:‏ هل أدلكم على أن تؤمنوا على أنه بدل من ‏"‏ تجارة ‏"‏ فلما حذف رفع فيكون المعنى معنى أن وإن حذفت وأن يكون بمعنى ‏"‏ آمنوا ‏"‏ أقوى لانجزام قوله ‏"‏ يغفر ‏"‏ ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون جوابا لقوله‏:‏ ‏"‏ هل أدلكم ‏"‏ أو يكون جواب ‏"‏ آمنوا ‏"‏ فلا يكون جواب ‏"‏ هل أدلكم ‏"‏ لأنه ليست المغفرة تقع بالدلالة إنما تقع بالإيمان فإذا لم يمتنع أن يكون جوابا له ثبت أنه بمعنى الأمر‏.‏

هذا قول سيبويه‏.‏

وقال قوم‏:‏ إن قول الفراء أجود وذا كأن ‏"‏ تؤمنوا ‏"‏ لا يقتضى جوابا مجزوما لأنه مرفوع والاستفهام يقتضيه وإذا وجب بالإجماع حمل الكلام على المعنى فأن يقدر ‏"‏ هل تؤمنوا يغفر ‏"‏ أولى لارتفاع ‏"‏ تؤمنون ‏"‏ ولكون المعنى عليه ويكون ‏"‏ تؤمنون ‏"‏ بدلا من ‏"‏ أدلكم ‏"‏‏.‏

قال أبو عثمان في قوله‏:‏ ‏"‏ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ‏"‏‏:‏ التقدير في ‏"‏ يقولوا ‏"‏‏:‏ قولوا لأنه إذا قال قل فقوله لم يقع بعد فوقوع يفعل في موضع افعلوا غير متمكنٍ في الأفعال فلما وقع التمكن وقع افعلوا وهكذا تقول في قوله‏:‏ إذا الدين أودى بالفساد فقل له يدعنا ورأساً من معدٍّ نصارمه أي‏:‏ دعنا‏.‏

وهذا لا يرتضيه أبو علي لأن الموجب للبناء في الاسم الواقع موقع المبني لا يكون مثل ذلك في الأفعال وإنما يكون في الأسماء‏.‏

 لسادس والخمسون باب ما جاء في التنزيل من المضاف الذي اكتسى

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فاقع لونها تسر الناظرين ‏"‏ وقف على ‏"‏ فاقع ‏"‏ أنث اللون لأنه قد اكتسى من المضاف إليه التأنيث‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ فله عشر أمثالها ‏"‏ لما أضاف الأمثال إلى المؤنث اكتسى منه التأنيث ولم يقل عشرة‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ تلتقطه بعض السيارة ‏"‏ في قراءة الحسن بالتاء‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ومن خزي يومئذٍ ‏"‏ ‏"‏ وهم من فزعٍ يومئذٍ ‏"‏ ‏"‏ من عذاب يومئذٍ ‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فذلك يومئذٍ يومٌ عسير ‏"‏ فيمن فتح فتحه لأنه بناه حين أضافه إلى إذ فاكتسى منه البناء‏.‏

وربما يكتسى منه الشيوع ومعنى الشرط ومعنى الاستفهام‏.‏

فالشيوع كقوله‏:‏ ‏"‏ بئس مثل القوم الذين كذبوا ‏"‏ لما أضاف ‏"‏ مثل ‏"‏ إلى اللام كان بمعنى اللام‏.‏

فأما قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ‏"‏ فليس من هذا الباب لأنه مضاف إلى المعرب دون المبني فانتصابه إنما هو على الظرف أي‏:‏ هذا واقع يوم ينفع الصادقين أو يكون ظرفا ل ‏"‏ قال ‏"‏ أي‏:‏ قال الله هذا في ذلك اليوم‏.‏

وقال قوم‏:‏ ‏"‏ يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ‏"‏‏:‏ إن قوله ‏"‏ يوم هم على النار ‏"‏ مبني على الفتح وهو في موضع الرفع لأنه بدل من قوله ‏"‏ يوم الدين ‏"‏‏.‏

وقالوا‏:‏ إنما بني لأنه أضيف إلى الجملة والجملة لا يتبين فيها الإعراب فلما أضيف إلى شيئين كان مبنياًّ‏.‏

وقالوا في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وما أدريك ما يوم الدين ‏"‏ فجرى ذكر ‏"‏ الدين ‏"‏ وهو الجزاء قال‏:‏ ‏"‏ يوم لا تملك ‏"‏ أي‏:‏ الجزاء يوم لا تملك فصار ‏"‏ يوم لا تملك ‏"‏ خبر الجزاء المضمر لأنه حدث فيكون اسم الزمان خبرا عنه ويقوى ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ اليوم تجزى كل نفسٍ بما كسبت ‏"‏‏.‏

ويجوز النصب على أمرٍ آخر وهو أن ‏"‏ اليوم ‏"‏ لما جرى في أكثر الأمر ظرفا ترك على ما كان يكون عليه في أكثر أمره ومن الدليل على ذلك ما اجتمع عليه القراء في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك ‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ‏"‏‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس ‏"‏‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ لقد تقطع بينكم ‏"‏ فيمن نصب‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ يوم القيامة يفصل بينكم ‏"‏ مرتبا للمفعول لما جرى بين في كلامهم منصوبا بقاه على النصب‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وسألته عن قولهم في الأزمنة‏:‏ كان ذلك زمن زيدٍ أمير فقال‏:‏ لما كانت بمنزلة إذ أضافوها إلى ما قد عمل بعضه في بعض كما يدخلون إذ على ما قد عمل بعضه في بعض فلا يغيرونه فشبهوا هذا بذاك‏.‏

ولا يجوز هذا في الأزمنة حتى تكون بمنزلة إذ فإن قلت‏:‏ يكون هذا يوم زيد أمير خطأ‏.‏

حدثنا بذلك عن يونس عن العرب في ذلك لأنك لا تقول‏:‏ يكون هذا إذا زيد أمير‏.‏

قال أبو عثمان‏:‏ جملة هذا الباب‏:‏ إن الزمان إذا كان ماضيا أضيف إلى الفعل أو إلى الابتداء والخبر لأنه في معنى إذ فأضيف إلى ما يضاف إليه وإذا كان لما لم يقع لم يضف إلا إلى الأفعال لأنه في معنى إذا وإذا هذه لا تضاف إلا إلى الأفعال‏.‏

قلت‏:‏ وفي التنزيل‏:‏ ‏"‏ يوم هم بارزون ‏"‏ و ‏"‏ يوم هم على النار يفتنون ‏"‏‏.‏

وفيما اكتسى المضاف من المضاف إليه التأنيث‏:‏ ‏"‏ وتوفى كل نفسٍ ‏"‏ و ‏"‏ اليوم تجزى كل نفسٍ ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ ثم توفى كل نفس ‏"‏ جاء تأنيث الفعل في هذه الآي وأمثالها لأن كلا لما أضيف إلى المؤنث اكتسى منه التأنيث ليكون حجة لقراءة الحسن ‏"‏ يلتقطه بعض السيارة ‏"‏ و كل ك بعض و بعض ك كل‏.‏

 لسابع والخمسون من شيء محذوف

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة ‏"‏ وأنت تقول‏:‏ أقمت إقامة فإذا قلت‏:‏ إقام الصلاة حذفت التاء ويصير المضاف إليه عوضا من التاء‏.‏

نظيره في الأنبياء‏:‏ ‏"‏ فعل الخيرات وإقام الصلاة ‏"‏‏.‏

وقد شاع كون المضاف إليه بدلاً من التنوين والألف واللام‏.‏

 لثامن والخمسون باب ما جاء في التنزيل معطوفا

وليس المعطوف مغايرا للمعطوف عليه وإنما هو هو أو بعضه فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ‏"‏ إن حملت الكلام على المعنى وقلت‏:‏ إن التقدير‏:‏ أحرص من الناس كان ‏"‏ الذين أشركوا ‏"‏ داخلين معهم وخصوا بالذكر لشدة عنادهم‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ من كان عدواًّ لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ‏"‏‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً ‏"‏ و الضياء في المعنى هو الفرقان‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ‏"‏‏.‏

فأما قوله‏:‏ ‏"‏ فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمان ‏"‏ فالشافعي يجعله من هذا الباب فيقول لو قال رجل‏:‏ والله لا آكل الفاكهة فأكل من هذين يحنث وجعله من هذا الباب ك ‏"‏ جبريل وميكال ‏"‏‏.‏

وأبو حنيفة يحمله على أصل العطف من المغايرة دون ما خص بالذكر بعد الواو إما تعظيماً وإما لمعنى آخر‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ الذي خلقني فهو يهدين‏.‏

والذي هو يطعمني ويسقين ‏"‏ إلى قوله‏:‏ ‏"‏ والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ‏"‏‏.‏

وحكى سيبويه‏:‏ مررت بزيد وصاحبك ولا يجوز‏:‏ فصاحبك بالفاء خلافا لأبي الحسن الأخفش‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبين ‏"‏‏.‏

وفي موضع آخر‏:‏ ‏"‏ تلك آيات القرآن وكتابٍ مبين ‏"‏‏.‏

والكتاب والقرآن واحد‏.‏

فأما قوله ‏"‏ تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ‏"‏‏.‏

فيكون من هذا الباب فيكون الذي في موضع الجر أي‏:‏ تلك آيات الكتاب المنزل إليك ويرتفع

 التاسع والخمسون باب ما جاء في التنزيل من التاء في أول المضارع

فيمكن حمله على الخطاب أو على الغائبة فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها ‏"‏ يجوز أن يكون‏:‏ ‏"‏ تطهرهم أنت ‏"‏ وأن يكون التقدير‏:‏ تطهرهم هي يعني الصدقة فيكون الأول حالا من الضمير في ‏"‏ خذ ‏"‏ وفي الثانية صفة ل ‏"‏ صدقة ‏"‏‏.‏

قال أبو علي‏:‏ يمكن أن يكون حالا للمخاطب أي‏:‏ خذها مطهراً لهم فإن جعلت تطهر صفة ل ‏"‏ صدقة ‏"‏ لم يصح أن يكون ‏"‏ تزكيهم ‏"‏ حالا من المخاطب فيتضمن ضميره لأنك لو قلت‏:‏ خذ مزكيا وأنت تريد الحال فأدخلت الواو لم يجز ذلك لما ذكرنا ويستقيم في ‏"‏ تطهرهم ‏"‏ أن يكون وصفا وكذلك ‏"‏ تزكيهم ‏"‏ وصفا له وكذلك ‏"‏ تزكيهم ‏"‏ لمكان ‏"‏ بها ‏"‏‏.‏

كما يستقيم فيهما أن تكونا حالين ولا يستقيم أن تكون الأولى وصفا والأخرى للمخاطب كما لا يجوز أن تكون الأولى حالا والأخرى وصفا لمكان الواو‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحل ‏"‏‏.‏

أي تحل أنت وإن شئت‏:‏ أو تحل القارعة‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ وألق ما في يمينك تلقف ‏"‏ إن شئت‏:‏ تلقف أنت وإن شئت‏:‏ تلقف العصا التي في يمينك فأنث على المعنى‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ يومئذٍ تحدث أخبارها ‏"‏ إن شئت‏:‏ تحدث أنت أو‏:‏ تحدث هي يعني الأرض‏.‏

المتم الستين باب ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل والمعروف منها دخولها على المبتدأ والخبر كقوله‏:‏ ‏"‏ وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ‏"‏‏.‏

وقد دخل على الفعل والفاعل في مواضع فمن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث ‏"‏ كان سهل يقف على ذلول ويبتدى بقوله‏:‏ ‏"‏ تثير الأرض ‏"‏ فيكون الواو في ‏"‏ ولا تسقى الحرث ‏"‏ للحال دون العطف لأن النفي لا يعطف ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ‏"‏ ‏"‏ ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ‏"‏ أي‏:‏ غير مسئول فهو في موضع الحال وحمله مرةً أخرى على الإثبات‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان ‏"‏ فيمن خفف النون‏.‏

قال‏:‏ وإن شئت كان على لفظ الخبر والمعنى‏:‏ معنى الأمر كقوله‏:‏ ‏"‏ يتربصن بأنفسهن ‏"‏ ‏"‏ لا تضار والدةٌ بولدها ‏"‏ أي‏:‏ لا ينبغي ذلك‏.‏

وإن شئت جعلته حالا من استقيما وتقديره‏:‏ استقيما غير متبعين‏.‏

وأنشد فيه أبياتاً تركتها مع أبيات أخرى‏.‏

فأما قوله‏:‏ ‏"‏ وإذ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريقٌ منهم النبي ‏"‏ فإنهما كانا طائفتين‏:‏ طائفة قالت‏:‏ يا أهل يثرب لا مقام لكم وطائفة تستأذن النبي‏.‏

فالواو للاستئناف عطف على ‏"‏ وإذ قالت ‏"‏‏.‏

ويجوز أن يكون للحال من الطائفة أي‏:‏ وإذ قالت طائفة منهم كيت وكيت مستأذنا فريق منهم النبي‏.‏

وجاز لربط الضمير الجملة بالطائفة أي‏:‏ قالت كذا وحال طائفة كذا‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ‏"‏‏.‏

يجوز أن يكون حالاً من الباغين أي‏:‏ يصدون باغين ويجوز أن يكون حالا من السبيل‏.‏

ويجوز الاستئناف لقوله في الآية الآخرى‏:‏ ‏"‏ وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً ‏"‏‏.‏

وحكم تعديته أعني ‏"‏ تبغون إلى أحد المفعولين أن يكون بحرف الجر نحو‏:‏ بغيت لك خيرا ثم يحذف الجار‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ واتخذتموه وراءكم ظهرياً ‏"‏‏.‏

الواو في ‏"‏ اتخذتموه ‏"‏ واو الحال أي‏:‏ أرهطي أعز عليكم من الله وأنتم بصفة كذا فهو داخل في حيز الاستفهام‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون ‏"‏ قيل‏:‏ لم يقولوا‏:‏ إن شاء الله‏.‏

وقيل‏:‏ لم يستثنوا حق المساكين‏.‏

فعلى الثاني‏:‏ الواو للحال أي‏:‏ أقسموا غير مستثنين وعلى الأول‏:‏ الواو للعطف أي‏:‏ أقسموا وما استثنوا فهو حكاية الحال من باب‏:‏ ‏"‏ وكلبهم باسطٌ ‏"‏‏.‏

وإن شئت من باب‏:‏ ‏"‏ كفروا ويصدون ‏"‏ نظير قوله‏:‏ ‏"‏ إنا نحن نزلنا الذكر ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ على خوف من فرعون ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ رب ارجعون ‏"‏‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ‏"‏‏.‏

قال الجرجاني‏:‏ كما لا يجوز أن يكون ‏"‏ لا نكذب ‏"‏ معطوفاً على ‏"‏ نرد ‏"‏ لأنه يدخل بذلك الحتم ويجرى مجرى أن يقال‏:‏ يا ليتنا لا نكذب كذلك لا يجوز أن تكون الواو للحال لأنه يوجب مثل ذلك من دخوله في التمني من حيث كانت الواو إذا كانت للحال ربطت الجملة بما قبلها‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ليتك تأتيني وأنت راكب كنت تمنيت كونه راكبا كما تمنيت الإتيان‏.‏

فإن قلت ما تقول في مثل قول المتنبي‏:‏ فليتك ترعاني وحيران معرضٌ لا يتصور أن يكون دنوه من حيران متمنًّى فإن ذلك لا يكون لأن المعنى في مثل هذا شبيه التوقيف نحو‏:‏ ليتك ترعاني حين أعرض حيران وحين انتهيت إلى حيران ولا يكون ذلك إلا في الماضي الذي قد كان ووجد وكلامنا في المستقبل فهذه زيادة في آخر الكتاب تجئ على قول الفراء دون سيبويه وأصحابه من عطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور يذهب إليه في عدة آي‏:‏ منها قوله‏:‏ ‏"‏ وصدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام ‏"‏ يحمل جر ‏"‏ المسجد ‏"‏ على الهاء‏.‏

ومنها قوله‏:‏ ‏"‏ واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ‏"‏ فيمن قرأها بالجر‏.‏

ومنها قوله‏:‏ ‏"‏ قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم ‏"‏ ومنها قوله‏:‏ ‏"‏ لا أملك إلا نفسي وأخي ‏"‏ يحمل ‏"‏ أخي ‏"‏ على الياء في ‏"‏ نفسي ‏"‏‏.‏

ومنها قوله‏:‏ ‏"‏ وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين ‏"‏ يحمل ‏"‏ من ‏"‏ على الكاف والميم‏.‏

ونحن ذكرنا الأجوبة في هذا الكتاب وأبطلنا مقالته أن سيبويه لا يجيز‏:‏ بزيد و ك حتى تقول‏:‏ وبك فأخذ هذا من ذاك ولأن حرف الجر لا ينفصل عن المجرور والتأكيد في هذا مخالف للعطف لأنه يجيز‏:‏ مررت بك نفسك لأنه يجوز‏:‏ مررت بنفسك ولا يجوز‏:‏ مررت بك أنت وزيد حتى تقول‏:‏ وبزيد فالتأكيد ب أنت‏:‏ يخالف التأكيد بالنفس وللفراء أبياتٌ كلها محمولة على الضرورة‏.‏

قالوا‏:‏ والتوكيد بالمضمر المجرور لا يحسن عطف الظاهر عليه كما حسن في المرفوع لأن المرفوع بالفعل قد يكون غير متصل بالفعل الرافع له الظاهر فيه وإنما استحسن التوكيد لأن التوكيد خارج عن الفعل فنصبوه بمنزلة الفاعل الذي ليس متصلا فيعطف عليه كما يعطف على ما ليس بمتصل من الفاعل والمجرور لا يكون إلا متصلا بالجار فلا يخرجه التوكيد إلى شبه ما ليس بمتصل‏.‏

 الحادي والستون باب ما جاء في التنزيل من حدف هو من الصلة

وهذا الباب وإن تقدم على التفصيل فينبغي أن يفرد له باب فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ مثلاً ما بعوضةً فما فوقها ‏"‏ فيمن رفع‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وهو الذي في السماء إله ‏"‏‏.‏

فالتقدير في هذه كلها‏:‏ ما هي بعوضة وتماما على الذي هو أحسن وهو الذي هو في السماء إله‏.‏

فأما قوله‏:‏ ‏"‏ ثم لننزعن من كل شيعةٍ أيهم أشد على الرحمن عتياًّ ‏"‏ فعلى مذهب سيبويه من هذا الباب والتقدير‏:‏ أيهم هو أشد فحذف هو فلما حذف هو دخله نقص فعاد إلى البناء لأن أيا إنما أعرب من جملة أخواته إذ كان بمعنى الذي حملاً على البعض فلما نقص عاد إلى البناء‏.‏

واستبعد أبو بكر قول سيبويه وقال‏:‏ لأنه لو كان مبنياًّ لكل بناؤه في غير الإضافة أحق وأجوز ولا يلزم ذلك لأنه على تقدير إضافة لازمة مع الحذف وكلزوم الألف واللام في الآن‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم استحسن‏:‏ لأضربن أيهم أفضل وامرر على أيهم أفضل‏.‏

ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لننزعن من كل شيعة أيهم ‏"‏ بإضمار هو ومثل قوله‏:‏ إذا ما أتيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل ولم يستحسن‏:‏ بالذي أفضل ولأضربن الذي أفضل وقال‏:‏ هذا ضرورة مثل قول عدي‏:‏ أي هو فيمن قال‏:‏ ما خبر دون أن تجعله زيادة فالجواب قال لأن أيهم أفضل مضاف وكان المضاف إليه قام مقام المحذوف والذي ليس بمضاف فخالف أيهم فأما إذا لم يكن أي مضافا فهو في نية الإضافة اللازمة‏.‏

قال سيبويه‏:‏ واعلم أن قولهم‏:‏ فكفى بنا فضلاً على من غيرنا أجود يعنى الرفع وهو ضعيف وهو نحو‏:‏ مررت بأيهم أفضل وكما قرأ بعض الناس هذه الآية تماما على الذي أحسن‏.‏

واعلم أنه قبيح أن تقول‏:‏ هذا من منطلق إن جعلت المنطلق وصفا أو حشوا فإن أطلت الكلام فقلت‏:‏ خيرٌ منك حسن في الوصف والحشو‏.‏

وزعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول‏:‏ ما أنا بالذي قائل لك سوءا وما أنا بالذي قائل لك قبيحا إذا أفرده فالوصف بمنزلة الحشو لأنه يحسن بما بعده كما أن المحشو إنما يتم بما بعده‏.‏

فنرى سيبويه رجح في هذا الفصل رفع غير وإن كان هو محذوفا على حده تابعاً ل من المذكور‏.‏

والحديث ذو شجون جر هذا الحديث ما فيه تدافعٌ يدفع أحدهما صاحبه فمن ذلك هذا ما نقلته لك‏.‏

ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ‏"‏ يحرك هنا شيئان‏:‏ الابتداء بالنكرة أو أن تقدر الجملة تقدير المفرد فتجعله مبتدأ وإن لم يكن في اللفظ فإما أن تقدر‏:‏ الإنذار وترك الإنذار سواء أو تقدر‏:‏ سواء عليهم الإنذار وتركه‏.‏

ولما كان هذا الكلام على هذا التجاذب قرأ من قرأ سورة يس‏:‏ ‏"‏ وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ‏"‏ فجعل ‏"‏ سواء دعاء كما كان ويل و ويح و ويس و جندلٌ وترب كذا‏.‏

ومما تجاذبه شيآن من هذا الجنس قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ومن آياته يريكم البرق ‏"‏ فتحمله على حذف الموصوف أو على حذف أن وكلاهما عنده كما ترى إلا أن حذف الموصوف أكثر من حذف أن‏.‏

ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا ‏"‏ إما أن تقدر‏:‏ وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا ومن أهل المدينة أو تقدر‏:‏ ومن أهل المدينة إن مردوا‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ليس كمثله شيء ‏"‏ إما أن تقدر ليس كصاحب صفته فتضمر المضاف أو تقدر زيادة الكاف‏.‏

فهذا مما تجاذبه الحذف والزيادة وكان الحذف أكثر من الزيادة ومثله‏:‏ ‏"‏ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ‏"‏ باب ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم وإجراء اللازم مجرى غير اللازم فمن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ وهو بكل شيءٍ عليم ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فهي كالحجارة ‏"‏‏.‏

جعلوا الواو من قوله ‏"‏ وهو ‏"‏ والفاء من قوله ‏"‏ فهي ‏"‏ بمنزلة حرف من الكلمة فاستجازوا إسكان الهاء تشبيها ب فخذ و كبد لأن الفاء والواو لا ينفصلان منهما‏.‏

ومثله لام الأمر من قوله‏:‏ ‏"‏ وليوفوا نذورهم وليطوفوا ‏"‏‏.‏

استجازوا إسكانها لاتصالها بالواو فأما‏:‏ ‏"‏ ثم ليقطع ‏"‏ وقوله ‏"‏ ثم هو ‏"‏ فمن أسكن اللام والهاء معها أجراها مجرى أختيها ومن حركها فلأنها منفصلة عن اللام والهاء‏.‏

قال أبو علي‏:‏ قد قالت العرب‏:‏ لعمري و‏:‏ رعملى فقلبوا لما عدوا اللام كأنها من الكلمة كما قلبوا قسيا ونحو ذلك وكذلك قول من قال‏:‏ كاء في قوله‏:‏ ‏"‏ وكأين من نبى ‏"‏ و ‏"‏ كأين من قرية ‏"‏ أبدل الألف من الياء كما أبدلها في طيئ ‏"‏ طاء‏.‏

ونحو ذلك‏.‏

ومثل ذلك ‏"‏ ويخش الله ويتقه ‏"‏ لما كان يتقه مثل علم‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ الذي جعل لكم الأرض فراشاً ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ ويجعل لك قصورا ‏"‏ ولما كان مثلين من كلمتين استجازوا الإدغام كما استجازوه في نحو‏:‏ رد ومد‏.‏

وقد قالوا‏:‏ لم يضربها ملق فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلى وإن كان منفصلا كما امتنعوا من إمالة نافق ونحوه من المتصلة‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ ولو شاء الله ما اقتتل الذين ‏"‏ و ‏"‏ ولو شاء الله ما اقتتلوا ‏"‏‏.‏

فهذا بيانه نحوٌ من بيان سبب تلك و ‏"‏ جعل لك ‏"‏ إلا أنه أحسن من قوله‏:‏ الحمد لله العلي الأجلل وبابه لأن هذا إنما يظهر مثله في صورةٍ وإظهار نحو ‏"‏ اقتتل ‏"‏ مستحسن وعن غير ضرورةٍ وكذلك قوله‏:‏ ‏"‏ أتحاجوننا في الله ‏"‏ و ‏"‏ أتمدونني بمال ‏"‏ و ‏"‏ فبم تبشرون ‏"‏ وما أشبه ذلك وكذلك‏:‏ يضربونني وهم يضربانني أجرى مجرى‏:‏ يضربان نعمان ويشتمون نافعا ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون الأتراك تقول‏:‏ يضربان زيداً ويكرمونك ومن أدغم نحو هذا واحتج بأن المثلين في كلمة واحدة فقال‏:‏ يضرباني وقل أتحاجونا فإنه يدغم أيضا نحو اقتتل‏.‏

فيقول‏:‏ قتل ومنهم من يقول‏:‏ اقتتل فيثبت همزة الوصل مع حركة الفاء لما كانت الحركة عارضة للنقل أو للالتقاء الساكنين وهذا مبين في فصل الإدغام‏.‏

ومن ضد ذلك قولهم‏:‏ ها الله أجرى مجرى‏:‏ دابة و شابة‏.‏

وكذلك قراءة من قرأ‏:‏ ‏"‏ ولا تيمموا ‏"‏ ‏"‏ ولا تفرقوا ‏"‏ ‏"‏ واذكروا ‏"‏ ‏"‏ ولا تعاونوا على الإثم ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فتفرق بكم عن سبيله ‏"‏ في نيف وثلاثين موضعا أدغم التاء الأولى في الثانية وجعل ما ليس من الكلمة كأنهما واحد‏.‏

ومثله‏:‏ ‏"‏ وإن أدري أقريبٌ ما توعدون ‏"‏ هذا كما أنشدوه من قوله‏:‏ من أي يومي من الموت أفر أيوم لم يقدر ام يوم قدر والقول فيه أنه أراد‏:‏ أيوم لم يقدر أم يوم قدر ثم خفف همزة أم فحذفها‏.‏

وألقى فتحتها على لم يقدر فصار تقديره‏:‏ أيوم لم يقدر ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره‏:‏ لم يقدر ام فحرك الألف لالتقاء الساكنين فانقلبت همزة فصار‏:‏ يقدر أم واختار الفتحة إتباعا لفتحة الراء‏.‏

ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة و الكمأة إذا خففت الهمزة‏:‏ المراة و الكماة وهذا إنما يجوز في المتصل‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ لكنا هو الله ربي ‏"‏‏.‏

‏"‏ لكنا أصله‏:‏ لكن أنا فخففت الهمزة فحذفها وألقيت حركتها على نون لكن فصارت ‏"‏ لكنا ‏"‏ فأجرى غير اللازم مجرى اللازم فاستثقل التقاء المثلين متحركين‏.‏

فأسكن الأول وأدغم الثاني فصار ‏"‏ لكنا ‏"‏ كما ترى‏.‏

وقياس قراءة من قرأ ‏"‏ قالوا الآن ‏"‏ فحذف الواو ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين هناك لأن حركة الثانية غير لازمة فقوله ‏"‏ لكننا ‏"‏ بالإظهار كما يقول في تخفيف حوأبة و جيأل‏:‏ حوية وجيل فيصبح حرفا اللين هنا لا يقلبان لما كانت حركتهما غير لازمة‏.‏

ومثله قوله‏:‏ ‏"‏ قالوا لان ‏"‏‏.‏

لأن قوله‏:‏ ‏"‏ عاداً لولى ‏"‏ من أثبت التنوين في عاد ولم يدغمها في اللام‏.‏

فلأن حركة اللام غير معتد بها لأنها نقلت إليها من همزة أولى فاللام في تقدير السكون وإن تحركت فكما لا يجوز الإدغام في الحرف الساكن فكذا لا يدغم في هذه اللام‏.‏

و ‏"‏ عادا ‏"‏ على لغة من قال‏:‏ ألحمر فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام لأنها غير معتد بها‏.‏

ومن قال‏:‏ ‏"‏ عاد لولى ‏"‏ فأدغم فإنه قد اعتد بحركة اللام فأدغم كما أن من قال‏:‏ ‏"‏ قالوا لان ‏"‏ أثبت الواو اعتداداً بحركة اللام‏.‏

ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنا إذاً لمن الآثمين ‏"‏ من اعتد بحركة اللام أسكن النون ومن لم يعتد حرك النون‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ‏"‏ حرك النون من ‏"‏ يكن ‏"‏ لالتقاء الساكنين ولم يعتد بها لأنها في تقدير السكون ولو كان الاعتداد بها لأعاد ما حذف من أجله وهو الواو‏.‏

وقال أبو علي‏:‏ فإن قلت‏:‏ فقد اعتدوا بتحريك التقاء الساكنين في موضع آخر وذلك قوله‏:‏ ‏"‏ لم يكن الذين كفروا ‏"‏ ألا ترى أن من يقول‏:‏ لم يك زيد منطلقا إذا تحرك لالتقاء الساكنين لم يحذف كما أنه إذا تحرك بحركة الإعراب لم يحذف فالقول إن ذلك أوجه من الأول من حيث كثر في الاستعمال وجاء به التنزيل فالاحتجاج به أقوى‏.‏

فأما حذف الشاعر له مع تحريكها بهذه الحركة كما يحذفها إذا كانت ساكنة فإن هذه الضرورة من رد الشيء إلى أصله نحو يعنى بحذف الشاعر له قوله‏:‏ لم يك الحق على أن هاجه رسم دارٍ قد تعفى بالسرر وقد ذكرنا في المستدرك أن هذا ليس بلغة من قال‏:‏ لم يكن وإنما من لغة من قال‏:‏ ‏"‏ أو لم تك تأتيكم ‏"‏ و ‏"‏ ولا تك في ضيق ‏"‏ وما أشبه ذلك‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ وقل الحق من ربكم ‏"‏ و ‏"‏ قل اللهم مالك الملك ‏"‏ و ‏"‏ قم الليل ‏"‏ ‏"‏ قل الله ‏"‏ ‏"‏ وإنا أو إياكم ‏"‏‏.‏

يعتد بكسرة اللام والميم فلم يرد المحذوف كما اعتد بها في قوله‏:‏ ‏"‏ فقولا له قولا لينا ‏"‏ ‏"‏ فقولا إنا رسول رب العالمين ‏"‏ فرد المحذوف لما اعتد بفتح اللام‏.‏

ومن قرأ‏:‏ ‏"‏ فقلا له قولاً لينا ‏"‏ حمله على قوله‏:‏ ‏"‏ وقل الحق من ربكم ‏"‏ فإن قلت‏:‏ إنهم قد اعتدوا بحركة التقاء الساكنين في قوله‏:‏ ‏"‏ عليهم الذلة ‏"‏ و ‏"‏ من دونهم امرأتين ‏"‏ و ‏"‏ إليهم اثنين ‏"‏‏.‏

فيمن قرأ بضم الهاء إنما ضموا تبعا لضم الميم‏.‏

وهي لالتقاء الساكنين وعلى ما قدمت تلك حركة لا اعتداد بها فكيف أتبعها الهاء قيل‏:‏ إن من ضم الهاء أراد الوفاق بين الحركتين‏.‏

وهم مما يطلبون المطابقة فكأنهم اعتدوا لأجل هذا المعنى بحركة التقاء الساكنين‏.‏

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وقد خلت القرون من قبلي ‏"‏‏.‏

و ‏"‏ قد خلت النذر ‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ زنت الأمة وبغت الأمة فحذفوا الألف المنقلبة عن اللام لسكونها وسكون تاء التأنيث ولما حركت التاء لالتقاء الساكنين لم ترد الألف ولم تثبت كما لم تثبت في حال سكون التاء وكذلك‏:‏ لم يخف الرجل ولم يقل القوم ولم يبع‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ اضرب الاثنين واكتب الاسم فحركت اللام من افعل بالكسرة لالتقاء الساكنين ثم لما حركت لام المعرفة من الاسم والاثنين لم تسكن اللام من افعل كما لم تسكنها في نحو‏:‏ اضرب القوم لأن تحريك اللام لالتقاء الساكنين فهي في تقدير السكون‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ حتى يقولا إنما نحن فتنة ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ ألم تعلموا أن أباكم ‏"‏ فحذفوا النون في هذه المواضع كما حذفوا الألف والواو والياء السواكن إذا كن لامات من حيث عودلن بالحركة ولو كانت حركة النون معتدّاً بها لحذفت هي من دون الحرف كما فعل ذلك بسائر الحروف المتحركة إذا لحقها الجزم ويدل على ذلك أيضا اتفاقهم على أن المثلين إذا تحركا ولم يكونا للإلحاق أو شاذا عن الجمهور أدغموا الأول في الآخر وقالوا اردد ابنك واشمم الريحان فلم يدغموا في الثاني إذا تحرك لالتقاء الساكنين كما لم يدغموه قبل هذا التحريك فدل ذلك على أن التحريك لا اعتداد به عندهم‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ‏"‏ و ‏"‏ لا تنسوا الفضل بينكم ‏"‏‏.‏

لم يهمزوها كما همزوا‏:‏ أقتت وأجوه لما لم يعتد بحركة التقاء الساكنين‏.‏

ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ لا تقصص رؤياك على إخوتك ‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ قد صدقت الرؤيا ‏"‏‏.‏

وقولهم‏:‏ نوى‏.‏

قالوا في تخفيف ذلك كله‏:‏ رويا ونوى فيصح الواو هنا وإن سكنت قبل الياء من قال‏:‏ إن التقدير فيهما الهمزة كما صحت في‏:‏ ضو ونو تخفيف ضوء ونوء لتقديرك الهمز وإرادتك إياه‏.‏

وكذلك أيضا صح نحو‏:‏ شي وفى في‏:‏ شيء وفيء كذلك‏.‏